فصل: في شَهَادَةِ السَّمَاعِ في الزِّنَا وَالْحُدُودِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في هَيْئَةِ الرَّجْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْجُومِ وَالْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ:

قُلْت: فَهَلْ ذَكَر لَكُمْ مَالِكٌ أَنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ فيرْجُمُ ثُمَّ النَّاسُ إذَا كَانَ إقْرَارٌ أَوْ حَبَلٌ، وَإِذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ فَالشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ؟
قَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَعْرِفُ هَذَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ.
وَإِنَّمَا الرَّجْمُ حَدٌّ مِثْلَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ.
قُلْت: هَلْ يُحْفَرُ لِلْمَرْجُومِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْهُ.
فَقَالَ: مَا سَمِعْت عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى يَحُدُّ فيهِ حَدًّا أَنَّهُ - حُفِرَ لَهُ أَوْ لَمْ يُحْفَرْ - إلَّا أَنَّ الَّذِي أَرَى أَنَّهُ لَا يُحْفَرُ لَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ «قَالَ: فَرَأَيْت الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ،» فَلَوْ كَانَ في حُفْرَةٍ مَا حَنَى عَلَيْهَا وَلَا أَطْلَقَ ذَلِكَ.
قُلْت: فَهَلْ يُرْبَطُ الْمَرْجُومُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا وَلَا أَرَى أَنْ يُرْبَطَ.
قُلْت: فَهَلْ يُحْفَرُ لِلْمَرْجُومَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَمَا هِيَ وَالرَّجُلُ إلَّا سَوَاءٌ.
قُلْت: فَهَلْ يُصَلَّى عَلَى الْمَرْجُومِ وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، إلَّا إنَّ الْإِمَامَ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْت رَبِيعَةَ يَقُولُ: الْمَقْتُولُ في الْقَوَدِ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَالنَّاسُ.

.(في الْمَرْأَةِ تَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ زَنَى بِي وَيَقُولُ الرَّجُلُ بَلْ تَزَوَّجْتهَا):

في الْمَرْأَةِ تَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ زَنَى بِي وَيَقُولُ الرَّجُلُ بَلْ تَزَوَّجْتهَا وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا وَالْمَرْأَةُ تَزْنِي بِمَجْنُونٍ أَوْ بِصَبِيٍّ مِثْلُهُ يُجَامِعُ:
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَقَرَّتْ بِالزِّنَا عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهَا زَنَتْ بِهَذَا الرَّجُلِ.
وَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ تَزَوَّجْتهَا.
وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا وَأَقَرَّ بِوَطْئِهَا؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ وُجِدَا في بَيْتٍ وَاحِدٍ فيزْعُمُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَيُقِرَّانِ بِالْوَطْءِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَأْتِيَا بِبَيِّنَةٍ أُقِيمَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ، فَأَرَى في مَسْأَلَتِك مِثْلَ هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَزْنِي بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي مِثْلُهَا يُجَامَعُ وَالْمَجْنُونَةُ، أَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الصَّبِيَّةِ الَّتِي مِثْلُهَا يُجَامَعُ: أُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى بِهَا.
وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ في الْمَجْنُونَةِ شَيْئًا.
وَالْمَجْنُونَةُ عِنْدِي مِثْلُ الصَّبِيَّةِ أَوْ أَشَدُّ.
قُلْت: أَرَأَيْت امْرَأَةً زَنَتْ بِصَبِيٍّ مِثْلُهُ يُجَامِعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْتَلِمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ هُوَ زِنًا.
قُلْت: أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ تَزْنِي بِالْمَجْنُونِ، أَيُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي.
قُلْت: أَفيجْلَدُ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في الْمُسْلِمِ يَزْنِي بِالذِّمِّيَّةِ:

قُلْت: أَرَأَيْت الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُحَدُّ الرَّجُلُ وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَرَادَ أَهْلُ دِينِهَا أَنْ يَرْجُمُوهَا، أَكَانَ يَمْنَعُهُمْ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَرُدُّونَ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ.
فَأَرَى أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ عَلَيْهَا بِحُكْمِ أَهْلِ دِينِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُمْنَعُونَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوَفَاءِ لَهُمْ بِذِمَّتِهِمْ عِنْدَ مَالِكٍ.

.في الرَّجُلِ يَغْتَصِبُ امْرَأَةً أَوْ يَزْنِي بِمَجْنُونَةٍ أَوْ نَائِمَةٍ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ امْرَأَةً أَوْ زَنَى بِصَبِيَّةٍ مِثْلُهَا يُجَامَعُ أَوْ زَنَى بِمَجْنُونَةٍ أَوْ أَتَى نَائِمَةً، أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالصَّدَاقُ جَمِيعًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْغَصْبِ: إنَّ الْحَدَّ وَالصَّدَاقَ يَجْتَمِعَانِ عَلَى الرَّجُلِ. فَأَرَى الْمَجْنُونَةَ الَّتِي لَا تَعْقِلُ. وَالنَّائِمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُغْتَصَبَةِ.
وَقَدْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ في الْحَدِّ وَالْغُرْمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَرَبِيعَةُ وَعَطَاءٌ وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ كَانَ عَبْدًا فَفي رَقَبَتِهِ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ في النَّائِمَةِ: إنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَهَا الْحَدَّ.
قُلْت: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ فيطَؤُهَا وَيَقُولُ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً هِيَ عِنْدَهُ رَهْنٌ إنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُعْذَرُ في هَذَا أَحَدٌ ادَّعَى الْجَهَالَةَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: حَدِيثُ الَّتِي قَالَتْ زَنَيْتُ بِمَرْعُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ وَلَا يُعْذَرُ الْعَجَمُ بِالْجَهَالَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْجَلْدِ في الْحَدِّ، هَلْ يُجْلَدُ في الْأَعْضَاءِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت بِذَلِكَ.
قَالَ: وَمَا أَدْرَكْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَعْرِفُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُضْرَبُ إلَّا في الظَّهْرِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: يُجَرَّدُ الرَّجُلُ في الْحَدِّ وَالنَّكَالِ وَيُقْعَدُ وَلَا يُقَامُ وَلَا يُمَدُّ، وَتُجْلَدُ الْمَرْأَةُ وَلَا تُجَرَّدُ وَتُقْعَدُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ يَجْعَلُ قُفَّةً تُجْعَلُ فيهَا الْمَرْأَةُ، فَرَأَيْت مَالِكًا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَقَدْ كَانَتْ هَهُنَا امْرَأَةٌ حَدَثَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى ظَهْرِهَا قَطِيفَةً أَوْ لِبْدًا.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: أَتَرَى أَنْ يُنْزَعَ مِثْلُ هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا رَأَيْته يَرَى أَنْ يُتْرَكَ عَلَيْهَا ثَوْبُهَا وَمَا لَا يَقِيهَا مِنْ الثِّيَابِ، فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ الضَّرْبَ مِنْهَا فَلَا يُتْرَكُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَى حُرَّةً.
فَوَطِئَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا حُرَّةٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى حُرَّةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَطِئَهَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا.

.في الشُّهُودِ في الزِّنَا يَخْتَلِفُونَ في الْمَوَاضِعِ:

قُلْت: أَرَأَيْت أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا، فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا في قَرْيَةِ كَذَا وَكَذَا، وَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا في قَرْيَةِ كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا شَهِدُوا عَلَى الزِّنَا فَاخْتَلَفُوا في الْمَوَاطِنِ أُقِيمَ عَلَى الشُّهُودِ حَدُّ الْفِرْيَةِ، وَلَا يُقَامُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ دَعَانِي إمَامٌ جَائِرٌ مِنْ الْوُلَاةِ إلَى الرَّجْمِ فَقَالَ لِي: إنِّي قَضَيْت عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ. أَوْ دَعَانِي إلَى قَطْعِ يَدِهِ وَقَالَ: إنِّي قَدْ قَضَيْت عَلَيْهِ بِقَطْعِ يَدِهِ في السَّرِقَةِ. أَوْ حِرَابَةً دَعَانِي إلَى قَطْعِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ إلَى قَتْلِهِ وَأَنَا لَا أَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى لِهَذَا الَّذِي أَمَرَ، إنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ قَدْ قَضَوْا بِحَقٍّ أَنْ يُطِيعَهُمْ في ذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ قَدْ كَشَفُوا عَنْ الشُّهُودِ وَعَدَّلُوا وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجُورُوا، فَأَرَى أَنْ يُطِيعَهُمْ، وَإِنْ عَلِمَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يُطِيعُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا مِمَّنْ وُصِفَ بِالْعَدَالَةِ مِنْ الْوُلَاةِ، أَتَرَى أَنْ يُطِيعَهُ إذَا أَمَرَهُ وَيَقْبَلَ قَوْلَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ قَالَا لِرَجُلٍ: اقْطَعْ يَدَ هَذَا فَإِنَّا قَدْ قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ.
أَكَانَ يَسَعُهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَقَدْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُمَا؟ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْ كَانَ يَضْرِبُ الْحُدُودَ بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يَأْمُرُهُ فيضْرِبُ وَيُقِيمُهَا، وَيَأْمُرُ أَبُو بَكْرٍ بِالرَّجْمِ، وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فيطِيعُهُمْ النَّاسُ يَرْجُمُونَ وَلَا يَكْشِفُونَ عَنْ الْبَيِّنَةِ.
وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْوَالِي فَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ يَعْدِلُ، قَدْ عَرَفَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَعْرِفَةِ الْإِمَامِ بِالسُّنَّةِ.
فَلَا يَسَعُ النَّاسُ أَنْ يَكُفُّوا عَمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْكَشْفُ في الْبَيِّنَاتِ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ النَّاسِ، فَفي هَذَا مَا يَكْتَفي بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ جَوْرُهُ، فَإِنْ اتَّضَحَ لَك أَنَّهُ حَكَمَ بِحَقٍّ في حَدِّ اللَّهِ في صَوَابٍ مَعَ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي قَامَتْ فَافْعَلْ، وَلَا يَنْبَغِي إبْطَالُ الْحَدِّ وَيَنْبَغِي أَنْ تُطِيعَهُ في ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّك تُجَاهِدُ مَعَهُمْ.

.كَشْفُ الْقَاضِي الْبَيِّنَاتِ عَلَى الشَّهَادَةِ في الزِّنَا:

قُلْت: أَرَأَيْت أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا. فَقَالَ لَهُمْ الْقَاضِي: صِفُوا الزِّنَا.
فَوَصَفَهُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَشَهِدُوا عَلَى رُؤْيَتِهِ، وَقَالَ الرَّابِعُ: رَأَيْتُهُ بَيْنَ فَخِذَيْهَا - وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى الرُّؤْيَةِ - أَيُحَدُّونَ كُلُّهُمْ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ، وَيُعَاقَبُ الَّذِي قَالَ رَأَيْته بَيْنَ فَخِذَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الزِّنَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ لَهُمْ الْقَاضِي: صِفُوا الزِّنَا.
فَقَالُوا: لَا نَزِيدُ عَلَى هَذَا، أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَكْشِفُهُمْ الْإِمَامُ، فَإِنْ وَجَدَ في شَهَادَتِهِمْ مَا يَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ دَرَأَهُ.
قُلْت: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَكْشِفُوا شَهَادَتَهُمْ؟
قَالَ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا بَعْدَ كَشْفِ الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ رَأْيِي.
قُلْت: فَإِنْ دَرَأَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْحَدَّ، هَلْ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ هَهُنَا حِينَ أَبَوْا أَنْ يَكْشِفُوا شَهَادَتَهُمْ لَهُ، أَيُقِيمُ حَدَّ الْفِرْيَةِ عَلَى الشُّهُودِ؟
قَالَ: مَا سَمِعَتْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ إذَا دَرَأَ الْحَدَّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أُقِيمَ عَلَى الشُّهُودِ حَدُّ الْفِرْيَةِ.
قُلْت أَرَأَيْت أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ في الزِّنَا، أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ في قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يُقَامُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ.
قُلْت: فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ - وَهُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ اثْنَانِ كَمَا ذَكَرْت لَك - أَتَحُدُّهُمْ حَدَّ الْفِرْيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، أَحُدُّهُمْ حَدَّ الْفِرْيَةِ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ في رَأْيِي.
قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ وَاثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ رَجَمْتُهُ، وَلَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَاثْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ رَجَمْتُهُ، لِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ تَمَّ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ في الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.
وَلَا يَرْجُمُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الشَّهَادَةَ أَرْبَعَةٌ بِأَبْدَانِهِمْ، أَوْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى جَمِيعِهِمْ.
وَإِنْ تَفَرَّقُوا عَلَى مَا وَصَفْت لَك لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ وَلَا ثَلَاثَةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى الْوَاحِدِ اثْنَانِ.

.في شَهَادَةِ السَّمَاعِ في الزِّنَا وَالْحُدُودِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ، أَيُحَدُّ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَكَ: يَا زَانِي.
إنَّهُ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَرِئَ، وَإِلَّا أُقِيمَ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ الْحَدُّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا هَذَا الَّذِي يَقُولُ سَمِعْتُ فُلَانًا يَشْهَدُ أَنَّكَ زَانٍ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ الْحَدَّ عِنْدِي إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ وَذَكَرَ.
قُلْت: وَالْبَيِّنَةُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ إنْ قَالُوا: نَحْنُ نُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ أَشْهَدُونَا؟
قَالَ: إنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أَرْبَعَةٌ سِوَاهُمْ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ أَشْهَدُوهُمْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ الْأَوَّلِينَ، وَيُرْجَمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ يُجْلَدُ إنْ كَانَ بِكْرًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ السَّمَاعِ، هَلْ يُجِيزُهَا مَالِكٌ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا وَالْمَقْذُوفُ غَائِبٌ أَتَرَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ يَشْهَدُ لَهُ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
قُلْت: لَيْسَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ إنَّمَا الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ يَمُرُّ الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ فيسْمَعُهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُشْهِدْهُ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى شَهَادَةِ هَذَا الْمَارِّ الَّذِي سَمِعَ مَا سَمِعَ وَلَمْ يَكُونُوا اسْتَشْهَدُوهُ.
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَهُ الرَّجُلُ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ في الْأَمْرِ فيقِرُّ بَعْضُهُمَا الْبَعْضَ بِالشَّيْءِ، فيمُرُّ بِهِمَا الرَّجُلُ فيسْمَعُهُمَا يَتَكَلَّمَانِ في ذَلِكَ وَلَمْ يُحْضِرَاهُ لِلشَّهَادَةِ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ، أَتَرَى لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِمَا.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَالرَّجُلَانِ يُحْضِرُهُمَا الرَّجُلَانِ في الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا وَيَقُولَانِ لَهُمَا: لَا تَشْهَدَا عَلَيْنَا بِأَشْيَاءَ فَإِنَّا نَتَقَارُّ بِأَشْيَاءَ، فيتَكَلَّمَانِ فيمَا بَيْنهمَا وَيُقِرَّانِ بِأَشْيَاءَ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ، ثُمَّ يَجْحَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فيرِيدَانِ أَنْ يُشْهِدَا فيمَا بَيْنَهُمَا، أَتَرَى لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَعْجَلَا وَأَنْ يُكَلِّمَاهُمَا، فَإِنْ أَصَرَّا عَلَى ذَلِكَ وَجَحَدَا رَأَيْتُ أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِمَا قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَالرَّجُلُ يَسْمَعُ الرَّجُلَ يَقْذِفُ الرَّجُلَ، أَتَرَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
فَهَذَا مَا قَالَ لَنَا مَالِكٌ في هَذَا.
وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَالِكًا لَا يَرَى شَهَادَةَ السَّمَاعِ الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ إذَا لَمْ يُشْهِدَاهُ، أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الَّذِي مَرَّ فَسَمِعَ رَجُلًا يُنَازِعُ رَجُلًا، وَيُقِرُّ بَعْضُهُمَا بِشَيْءٍ لِبَعْضٍ وَلَمْ يُحْضِرَاهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ، فَكَذَلِكَ إذَا سَمِعَ رَجُلًا يَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ فَهُوَ سَوَاءٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ رَجُلًا اسْتَقْصَى في مِثْلِ هَذَا سَمَاعَ مَا يَتَقَارَّ بِهِ الرَّجُلَانِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَتَذَاكَرَانِهِ مِنْ أَمْرِهِمَا، فَشَهِدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمَا وَاسْتَقْصَاهُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَاهُ، فَأَرَى أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مِثْلَ مَا وَصَفْتُ لَك.
وَإِنَّمَا الَّذِي كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ مَا مَرَّ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ كَلَامِ الرَّجُلِ فَسَمِعَهُ وَلَا يَدْرِي مَا كَانَ قَبْلَهُ وَلَا مَا يَكُونُ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا بَعْضُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ بَعْضٍ، فَهَذَا الَّذِي كُرِهَ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ في مِثْلِ هَذَا، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ مِثْلِ هَذَا إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ في حَقٍّ، فَنَسِيَ بَعْضَ الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ بَعْضَهَا، أَتَرَى أَنْ يَشْهَدَ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا، إنْ لَمْ يَذْكُرْهَا كُلَّهَا فَلَا يَشْهَدُ، فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْمَارَّ الَّذِي يَسْمَعُ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ وَلَا يَشْهَدُ، لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَتَكَلَّمُ بِالشَّيْءِ وَيَكُونُ الْكَلَامُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مِمَّا لَا تَقُومُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِهِ، أَوْ تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهِ.
فَإِنْ أَفْرَدَ هَذَا الْكَلَامَ وَحْدَهُ كَانَتْ شَهَادَةً، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَحْضُرَ لِذَلِكَ.

.فيمَنْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَقَرُّوا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَيْسَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا إلَّا أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَيْسَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ، أَيُحَدُّ الشُّهُودُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُحَدُّونَ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى زِنًا عَلَى حِدَةٍ لَحُدُّوا كُلُّهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا شَهِدُوا عَلَى زِنَا وَاحِدٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَقْذِفُ رَجُلًا، فَلَمَّا ضُرِبَ أَسْوَاطًا قَذَفَ آخَرَ أَوْ قَذَفَ الَّذِي يَجْلِدُ لَهُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا أَوْ أَرَى أَنْ يُضْرَبَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ، يُبْتَدَأُ ذَلِكَ مِنْ حِينِ قَذَفَ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا مَضَى مِنْ السِّيَاطِ.
قُلْت: وَافْتِرَاؤُهُ عِنْدَكَ عَلَى هَذَا الَّذِي يَجْلِدُ لَهُ، وَافْتِرَاؤُهُ عَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ بَعْدَمَا قَدْ ضُرِبَ أَسْوَاطًا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَهَذَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ في ذَلِكَ كُلِّهِ.
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ رَجُلًا بِحَدٍّ فَضُرِبَ لَهُ، ثُمَّ إذَا قَذَفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ضُرِبَ لَهُ أَيْضًا، فَكَذَلِكَ هَذَا عِنْدِي يُبْتَدَأُ بِهِ.

.ذِكْرُ الْعَذَابِ في الْحُدُودِ أَيُّهُمْ أَشَدُّ وَجَعًا وَمَتَى تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاذِفَ، مَتَى تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا قَذَفَ أَمْ حَتَّى يُجْلَدَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْقَاذِفِ: إنْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ جَازَ عَفْوُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ السُّلْطَانَ فَإِنْ أَرَادَ الْمَقْذُوفُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا مَتَى مَا بَدَا لَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: أَفيكُونُ الْعَفْوُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى مَا بَدَا لَهُ قَامَ في حَقِّهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَكْتُبُ بِذَلِكَ كِتَابًا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَقُومَ قَامَ بِهِ، وَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ حَتَّى يَقُومَ بِهِ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: فَإِنْ مَاتَ وَالْكِتَابُ عَلَيْهِ فَأَرَادَ وَلَدُهُ أَنْ يَقُومُوا بِحَدِّ أَبِيهِمْ بَعْدَهُ، أَيَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى لَهُمْ أَنْ يَقُومُوا بِذَلِكَ.
قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ إلَّا بَعْدَ الضَّرْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَنْهُ وَلَمْ يَضْرِبْهُ وَكَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا صَالِحًا كَانَتْ شَهَادَتُهُ جَائِزَةً، وَإِنَّمَا تَرْتَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا ضُرِبَ الْحَدَّ فَذَلِكَ الَّذِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً وَخَيْرًا مِثْلَ مَا وَصَفْتُ لَك مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ.

.جَامِعُ اجْتِمَاعِ الْحُدُودِ وَكَيْفَ يُضْرَبُ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَيُّ الْحُدُودِ أَشَدُّ ضَرْبًا في قَوْلِ مَالِكٍ الزَّانِي أَوْ الشَّارِبُ أَمْ حَدُّ الْفِرْيَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ضَرْبُهَا كُلِّهَا سَوَاءٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالضَّرْبُ في هَذَا كُلِّهِ ضَرْبٌ بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ لَيْسَ بِالْمُبَرِّحِ وَلَا بِالْخَفيفِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَذَفَ وَسَكِرَ، أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَلَمْ يَسْكَرْ، جُلِدَ الْحَدَّ حَدًّا وَاحِدًا.
وَإِنْ كَانَ قَدْ سَكِرَ جُلِدَ حَدًّا وَاحِدًا لِأَنَّ السُّكْرَ حَدُّهُ حَدُّ الْفِرْيَةِ، لِأَنَّهُ إذَا سَكِرَ افْتَرَى فَحَدُّ الْفِرْيَةِ يُجْزِئُهُ مِنْهَا.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّهُ افْتَرَى ثُمَّ افْتَرَى وَضُرِبَ حَدًّا وَاحِدًا كَانَ هَذَا الْحَدُّ لِجَمِيعِ تِلْكَ الْفِرْيَةِ، وَكَذَلِكَ السُّكْرُ وَالْفِرْيَةُ إذَا اجْتَمَعَا دَخَلَ حَدُّ السُّكْرِ في الْفِرْيَةِ وَالْخَمْرُ يَدْخُلُ في حَدِّ السُّكْرِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْكَرُ مِنْهَا حَتَّى يَشْرَبَهَا، فَلَمَّا كَانَ حَدُّ السُّكْرِ دَاخِلًا في حَدِّ الْفِرْيَةِ عَلِمْنَا أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ أَيْضًا دَاخِلٌ في حَدِّ السُّكْرِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْكَرُ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَشْرَبَهَا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدُّ الْفِرْيَةِ وَحَدُّ الزِّنَا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْفِرْيَةَ جَمِيعًا.
قَالَ: وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْخَمْرِ أُقِيمَا عَلَيْهِ جَمِيعًا.
قُلْت: أَيُتَابِعُ الْإِمَامُ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ أَمْ يَحْبِسُهُ بَعْدَ ضَرْبِ جَلْدِ الزِّنَا، حَتَّى إذَا خَفَّ مِنْ ضَرْبِهِ ذَلِكَ ضَرَبَهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ في قَوْلِ مَالِكٍ، يَرَى في ذَلِكَ رَأْيَهُ وَيَجْتَهِدُ.
إنْ رَأَى أَنْ يَجْمَعَهُمَا عَلَيْهِ جَمَعَهُمَا، وَإِنْ رَأَى أَنْ لَا يَجْمَعَهُمَا عَلَيْهِ وَرَأَى أَنْ يُفَرِّقَهُمَا فَذَلِكَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ عَلَيْهِ إنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ: يُؤَخَّرُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ مَرَضِهِ.
فَهَذَا إذَا ضُرِبَ أَوَّلَ الْحَدَّيْنِ إنْ كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ إنْ ضُرِبَ الْحَدَّ الثَّانِيَ أَنْ يَمُوتَ، أَخَّرَهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يَضْرِبْهُ.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ مَالِكٌ في الَّذِي يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرْدِ إنْ هُوَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، أَنَّهُ يُؤَخَّرُ وَلَا يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ، وَإِنَّمَا قَالَ في الْبَرْدِ في الْقَطْعِ وَلَيْسَ في الضَّرْبِ.
قَالَ: وَالضَّرْبُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْقَطْعِ في الْبَرْدِ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ، وَالْحَرُّ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْبَرْدِ في ذَلِكَ كُلِّهِ.
قُلْت: وَيُضْرَبُ حَدَّ الزِّنَا عِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَ ضَرْبِ حَدِّ الْفِرْيَةِ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الرَّجُلِ جَمِيعًا لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا عَفْوَ فيهِ عَلَى حَالٍ، وَحَدُّ الْفِرْيَةِ فيهِ الْعَفْوُ قَبْل أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ صَاحِبُهُ إلَى الْإِمَامِ؟
قَالَ: أَحَبُّ ذَلِكَ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا، وَلَمْ أَسْمَعُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، لِأَنَّ حَدَّ الْفِرْيَةِ قَدْ جَاءَ فيهِ بَعْضُ الِاخْتِلَافِ، أَنَّ الْعَفْوَ فيهِ جَائِزٌ وَإِنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُهُ مَرَّةً ثُمَّ نَزَعَ عَنْهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ حَدَّ الْفِرْيَةِ إذَا عَفَا عَنْهُ الْمَقْذُوفُ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ فَأَقَامَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا أَيُحَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا وَالْمَقْذُوفُ غَائِبٌ فَقَامَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ النَّاسِ فَطَلَبَ أَنْ يَأْخُذَ لِلْغَائِبِ بِالْقَذْفِ وَرَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ، أَيَضْرِبُهُ الْإِمَامُ الْحَدَّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ.
قُلْت: لِمَ؟ أَلَيْسَ هَذَا حَدًّا لِلَّهِ وَقَدْ بَلَغَ الْإِمَامَ؟
قَالَ: هَذَا حَدٌّ لِلنَّاسِ لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا صَاحِبُهُ.

.في هَيْئَةِ ضَرْبِ الْحُدُودِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الضَّارِبَ في الْحَدِّ أَوْ التَّعْزِيرِ، هَلْ يَرْفَعُ يَدَهُ أَمْ يَضُمُّ عَضُدَهُ إلَى جَنْبِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا قَالَ: ضَرْبٌ غَيْرُ مُبَرِّحٍ.
فَلَا أَدْرِي مَا رَفْعُ الْيَدِ وَلَا ضَمُّ الْعَضُدِ إلَى جَنْبِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في ذَلِكَ شَيْئًا.
قُلْت: فَهَلْ يُجْزِئُ الْقَضِيبُ أَوْ الدِّرَّةُ أَوْ الشِّرَاكُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مَكَانُ السَّوْطِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ يَقُولُ في الْحُدُودِ إلَّا السَّوْطَ.
قُلْت: فَدِرَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟
قَالَ: إنَّمَا كَانَ يُؤَدِّبُ بِهَا النَّاسَ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ قَرَّبَ السَّوْطَ.

.في الْحَامِلِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْبِكْرَ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا، أَتُجْلَدُ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا؟ أَمْ تُؤَخَّرُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: تُؤَخَّرُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِذَا وَضَعَتْ، أَتَضْرِبُهَا أَمْ حَتَّى يَجِفَّ دَمُهَا وَتَتَعَالَى مِنْ نِفَاسِهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْمَرِيضِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ: إنَّهُ لَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ وَيُؤَخَّرُ وَيُسْجَنُ.
قَالَ: فَأَرَى النِّفَاسَ مَرَضًا مِنْ الْأَمْرَاضِ وَأَرَى أَنْ لَا يُعَجَّلَ عَلَيْهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ وَهِيَ حَامِلٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُمْهَلُ حَتَّى تَضَعَ مَا في بَطْنِهَا.
قُلْت: فَإِذَا وَضَعَتْ مَا في بَطْنِهَا؟
قَالَ: فَإِنْ أَصَابُوا لِلصَّبِيِّ مَنْ يُرْضِعُهُ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَمْ تُؤَخَّرْ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا لِلصَّبِيِّ مَنْ يُرْضِعُهُ لَمْ يُعَجَّلْ عَلَيْهَا حَتَّى تُرْضِعَ وَلَدَهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُصِيبُوا لِلصَّبِيِّ مَنْ يَرْضِعُهُ أَنَّهُمْ رَجَمُوهَا وَتَرَكُوا الصَّبِيَّ مَاتَ فَتَكُونُ قَدْ كَفَفْتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ لِمَكَانِ الصَّبِيِّ وَقَدْ قَتَلْتَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِتَرْكِكَ إيَّاهُ بِلَا رَضَاعٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ امْرَأَةً زَنَتْ فَقَالَتْ: إنِّي حُبْلَى أَيُعَجَّلُ عَلَيْهَا الرَّجْمُ أَوْ الْجَلْدُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ الشُّهُودُ بِالزِّنَا أَرْبَعَةَ عُدُولٍ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهَا تَزْنِي مُنْذُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَتْ: أَنَا حُبْلَى لَا تُعَجِّلُوا عَلَيَّ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا مَا قَالَتْ لَمْ يُعَجَّلْ عَلَيْهَا وَإِلَّا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ.

.في الْمَرْأَةِ يُشْهَدُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَتَقُولُ أَنَا عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَةُ عُدُولٍ فَقَالَتْ إنِّي عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ، أَيُرِيهَا النِّسَاءَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَقُلْنَ: إنَّهَا عَذْرَاءُ أَوْ قُلْنَ: إنَّهَا رَتْقَاءُ؟
قَالَ: يُقَامُ الْحَدُّ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِنَّ لِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَجَبَ.
قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فَتَقُولُ: قَدْ مَسَّنِي وَيَقُولُ: لَمْ أَمَسَّهَا. وَيَشْهَدُ النِّسَاءُ أَنَّهَا بِكْرٌ؟
قَالَ مَالِكٌ: إذَا أُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَكْشِفْ الْحَرَائِرُ عَنْ مِثْلِ هَذَا، وَلَا تُرَى الْحُرَّةُ في مِثْلِ هَذَا.
قُلْت: وَلَا يَرَى مَالِكٌ أَنْ يَدْفَعَ حَدًّا قَدْ وَجَبَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِمَّا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فيهِ، وَهُنَّ لَمْ يَشْهَدْنَ عَلَى حَدٍّ إنَّمَا شَهِدْنَ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ أَوْ رَتْقَاءُ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ.
وَهَلْ يَشْهَدُ هَهُنَا غَيْرُهُنَّ؟ فَكَيْفَ يُقِيمُ الْحَدَّ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ هَهُنَا فيمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فيهِ تُبْطِلُ الْحَدَّ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَجُوزُ هُنَا.

.شُهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَادَّعَتْ الْحَمْلَ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهَا زَنَتْ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ غَابَ زَوْجُهَا مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَتْ: أَنَا حَامِلٌ. وَشَهِدَ النِّسَاءُ أَنَّهَا حَامِلٌ.
فَأَخَّرَهَا الْإِمَامُ حَتَّى وَضَعَتْ مَا في بَطْنِهَا ثُمَّ رَجَمَهَا، فَقَدِمَ زَوْجُهَا فَانْتَفَى مَنْ وَلَدِهَا، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَتْ هِيَ قَدْ قَالَتْ قَبْلَ أَنْ تُرْجَمَ إنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ لِلزَّوْجِ صَدَقَ الزَّوْجُ عِنْدَ ذَلِكَ وَدَفَعَ الْوَلَدَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ لِعَانٍ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ كَانَ اسْتَبْرَأَنِي قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ بِهَذَا الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا هَذَا الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ كَفَّ عَنِّي وَحِضْتُ حَيْضَةً وَادَّعَى الزَّوْجُ مِثْلَ مَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ، فَهَذَا الْوَلَدُ يَدْفَعُهُ الزَّوْجُ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ لِعَانٍ.
فَإِنْ لَمْ تَقُلْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ مَوْتِهَا مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الِاسْتِبْرَاءَ أَوْ نَفَاهُ، فَلَا بُدَّ لِلزَّوْجِ مِنْ اللِّعَانِ لِيَنْفي بِهِ الْوَلَدَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَنْفيهِ هَهُنَا إلَّا بِاللِّعَانِ لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فيظْهَرُ بِهَا حَمْلٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فيقُولُ الزَّوْجُ: لَيْسَ مِنِّي وَتُصَدِّقُهُ بِأَنَّهَا زَنَتْ وَأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا جُلِدَتْ الْحَدَّ وَكَانَتْ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ وَلَدَهُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ، إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَدِمَ الزَّوْجُ في مَسْأَلَتِي الَّتِي سَأَلْتُك عَنْهَا وَقَدْ رُجِمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ الزَّوْجُ: لَيْسَ الْوَلَدُ وَلَدِي وَلَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ؟
قَالَ: يَلْتَعِنُ وَيَنْفي الْوَلَدَ.
قُلْت: أَوَلَيْسَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ مَنْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ فَنَفَى الْوَلَدَ ضُرِبَ الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ قَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا رَأَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَزْنِي وَإِنْ كَانَ في ذَلِكَ يَطَؤُهَا، لَاعَنَ وَنَفَى الْوَلَدَ عَنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، فَإِنَّهُ إنْ وَطِئَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ أُكْذِبَ قَوْلُهُ وَجُلِدَ الْحَدَّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا، فَكَانَتْ في تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ زَنَتْ فَقَالَ: رَأَيْتهَا الْيَوْمَ تَزْنِي وَمَا جَامَعْتُهَا مُنْذُ رَأَيْتهَا تَزْنِي؟
قَالَ: يَلْتَعِنُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إذَا كَانَ حَمْلُهَا بَيِّنًا مَشْهُودًا عَلَيْهِ أَوْ مُقَرًّا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفي مِنْ الْحَمْلِ وَإِنَّمَا رَآهَا تَزْنِي الْيَوْمَ، فَقَدْ صَارَ إنْ لَمْ يَلْتَعِنْ قَاذِفًا لَهَا وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَنِي عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ.

.في الْعَبْدِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَيَشْتَغِلُ ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ عَتَقَ قَبْلَ ذَلِكَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْتَقْت عَبْدِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِي إيَّاهُ، وَكُنْتُ عَنْهُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا إذَا أُشْهِدُ الشُّهُودُ عَلَى عِتْقِهِ فَزَنَى، أَيُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ أَمْ حَدُّ الْعَبْدِ.
قَالَ مَالِكٌ: يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ وَلَا يُلْتَفَتُ في ذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَبْدِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ افْتَرَى أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَحَدُّ الْعَبْدِ في الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ وَالْفِرْيَةِ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ افْتَرَى عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِعِتْقِ سَيِّدِهِ إيَّاهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبُ قَاذِفُهُ الْحَدَّ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ لَهُ وَعَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ أَتَجُوزُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الْعِتْقِ.
قُلْت: وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الْأَنْسَابِ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الْأَنْسَابِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ وَكَانَ الشَّاهِدَانِ غَائِبَيْنِ وَقَدْ قَذَفَهُ رَجُلٌ وَالسَّيِّدُ يُنْكِرُ عِتْقَهُ؟
قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَيُجْلَدُ قَاذِفُهُ لِأَنَّ عِتْقَ السَّيِّدِ قَدْ كَانَ مُنْذُ سَنَةٍ وَبِذَلِكَ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ.
قُلْت: أَوَلَيْسَ إنَّمَا يُعْتِقُهُ السَّاعَةَ؟ إنَّمَا أَحُولُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَهُ السَّاعَةَ وَأَجْعَلُ عِتْقَهُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ جُعِلَتْ لَهُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى إذَا كَانَ طَلَاقُهُ إيَّاهَا مِنْ بَعْدِ الْعِتْقِ؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا في كَسْبِهِ وَحْدَهُ، أَنَّهُ إنْ كَانَ عَمِلَ لِلسَّيِّدِ بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ خَارَجَ لَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَأَخَذَ مِنْهُ السَّيِّدُ مَالًا، ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، كَانَ لِلسَّيِّدِ مَا أَخَذَ قَبْلَ ذَلِكَ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُنْكِرًا لِلْعِتْقِ، وَسَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي لَهُ بِالْعِتْقِ.
قُلْت: وَلِمَ جَعَلَ مَالِكٌ كَسْبَهُ هَكَذَا، وَلَمْ يَجْعَلْ مَا سِوَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْهَا فَقَالَ في كَسْبِهِ مِثْلَ مَا قُلْت لَك، لِأَنَّ كَسْبَهُ بِمَنْزِلَةِ خِدْمَتِهِ.
وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ كَسْبَهُ كَمَا أَخْبَرْتُك لَجَعَلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِخِدْمَتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الذِّمِّيَّ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ، أَيُقْتَلُ بِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جَرَحَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ، أَيُقْتَصُّ لَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا تَظَالَمَ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَيْنَهُمْ أُخِذَ ذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ.
قُلْت: وَلَا تُقْبَلُ في هَذَا شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ يَسْرِقُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِ فَتَقُومُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ.